فصاحة الكلام - الكاف

فصاحة الكلام - الكاف



كثرة التكرار:
 ذكره القزويني وشراح التلخيص في شروط فصاحة الكلام٬ ويريدون به ذكر الشيء مرةً بعد مرةً٬ وكثرته يكون فوق الواحد أي إذا أعيد مرةً ثانيةً كان تكرارا وإذا أعيد ثالثةً فأكثر كان "كثرةً التكرار" ويدخل في هذا تتابع الإضافات. ومن ذلك قول المتنبي:

وتسعدني في غمرة بعد غمرة   سبوح لها منها عليها شواهد
الكشف:
 الكشف٬ رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه٬ كشفه يكشفه كشفًا٬ وكشف الأمر: أظهره.
تحدث الحاتمي عن كشف المعنى وإبرازه بزيادة منه تزيد نصاعه وبراعةً مثال ذلك أن امرأ القيس قال:
كبكر المقاناة البياض بصفرة   غذاها نمير الماء غير المحلل

 أخذ هذا المعنى ذو الرمةً فكشفه وأبرزه وزاد فيه زيادةً لطيفةً فقال:
كحلاء في برج صفراء في نعج   كأنها فضة قد مسها ذهب
 وذهب أي هذا المعنى ابن رشيق٬ ولكن ابن منقذ قال: " هو أن يكشف المتبع معنى المبتدع إذا كان فيه شيء من الخفاءط٬ وذكر بيتي امرئ القيس وذي الرمة٬ وقول جرير:
إن الذين غسدوا بلبك غادروا   وشلا بعينك لا يزال معينا
فقد كشفه ذو الرمةً بقوله:
ولما تلاقينا جرت من عيوننا   دموع كشفنا غربها بالأصابع
ونلنا سقاطا من حديث كأنه    جني النحل ممزجا بماء الوقائع
وقال العتابي:
مضت على عهده الليالي   وأحدثت بعده أمور
واعتضت باليأس عنه صبرا   واعتدل الحزن والسرور
كشفه بعضهم بقوله:
ولست أرجو ولست اخشي   ما أحدثت بعده الدهور

فليجهد الدهر في مساتي    فما عسى جهده يصير
ويدخل هذا النوع في الأخذ والسرقات.
كشف المعنى:
 هو كشف الثاني معنى الأول وإبرازه إذا كان فيه شيء من الخفاء٬ وهو "الكشف" وقد تقدم.
الكلام الجامع:
 جمع الشيء عن تفرقه يجمعه جمعا٬ وجمعت الشيء: إذا جئت به من ههنا وههنا.
قال الحلبي والنويري: "هو أن يكون البيت كله جاريًا مجرى مثل واحد" كقول زهير:
ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله   على قومه يستغسن عنه ويذمم
ومن لا يصانع في أمور كثيرة   يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومهما تكن عند امرئ من خليقة   وإن خالها تخفي على الناس تعلم
قال السبكي: "هو أن يجي المتكلم مثلًا في كلامه بشيء من الحكمة والموعظةً أو شكاية الزمان أو الأحوال".



 وقال الحموي: "هو أن يأتي الشاعر ببيت مشتمل على حكمةً أو وعظ أو غير ذلك من الحقائق التي تجري مجرى الأمثال ويتمثل الناظم بحكمها أو وعظها أو بحالة تقتضي إجراء المثل". وعرفه السيوطي بمثل هذا التعريف وقال المدني: "الكلام الجامع هو عبارةً أن يأتي الشاعر ببيت يكون جملةً حكمةً أو موعظةً أو نحو ذلك من الحقائق الجاريةً مجرى الأمثال. هكذا قال غير واحد من البديعيين٬ وقال الطيبي في التبيان: أو أن يحلي المتكلم كلامه بشيء من الحكمة والموعظةً وشكايةً الزمان والأخوان" وهذا أعم من الأول" ومن ذلك قول أبي تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة   طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت   ما كان يعرف طيب عرف العود
وقول الأخر:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل   إن المحامد والعلي أرزاق
فارغب بنفسك أن تكون مقصرا   في غاية فيها الطلاب سياق
وقال العتابي يخاطب محبوبته:
تحبين أني نلت ما نال جعفر   من الملك أو ما نال يحيى بن خالد
فقالت: نعم. فقال:

وأن أمير المؤمنين أحلني   محلها بالمرهفات البوادر
فقالت: لا٬ فقال:
دعيني تجئني ميتتي مطمئنة  ولم أتجشم هول تلك الموارد
فان جسيمات الأمور منوطه   بمستودعات في بطون الساود
ومن ذلك قول ابن دريد:
ومن لم يعظه الدهر لم ينفعه ما   راح به الواعظ يوما أو غدا
من لم تفده عبرا أيامه   كان العمى أولى به من الهدى
الكلام الموجه:
 وجه إليه كذا: أرسله٬ ووجهت في حاجة ووجهت وجهي لله وتوجهت نحوك واليك٬ وكساء موجه: ذو وجهين.
قال ابن الأثير: "الموجه أي له وجهان وهو مما يدل على براعة الشاعر وحسن تأنيه" والكلام الموجه هو القسم الثاني من أقسام تأويل المعنى٬ فالأول أن يفهم منه شيء واحد لا يحتمل غيره٬ والثاني أن يفهم منه الشيء وغيره٬ وتلك الغيريةً ضد٬ والثالث أن يفهم منه الشيء وغيره وتلك الغيريةً لا تكون ضدا. والأول يقع عليه أكثر الأشعار٬ والثاني قليل الوقوع جدًا٬ والثالث أكثر وقوعًا منه وهو واسطةً بين الطرفين.
ومن ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : "من كلام النبوةً الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وهذا يشتمل على معنيين ضدين:

 أحدهما: إن المراد به إذا لم تفعل فعلا تستحي منه فافعل ما شئت.
والآخر: إن المراد به إذا لم يكن لك حياء يزعك عن فعل ما يستحى منه فافعل ما شئت.
وهذان معنيان ضدان٬ أحدهما مدح والآخر ذم.
ومن ذلك قول المتنبي يخاطب كافورا:
عدوك مذموم بكل لسان   ولو كان من أعدائك القمران
ولله سر في علاك وإنما   كلام العدي ضرب من الهذيان
ثم قال:
فمالك تعني بالأسنة والقنا   وجدك طعان بغير سنان
 فإن هذا بالذم أشبه منه بالمدح٬ لأنه يقول: لم تبلغ ما بلغته بسعيك واهتمامك بل بجد وسعادةً وهذا لا فضل فيه؛ لأن السعادةً تنال الخامل والجاهد ومن لا يستحقها٬ وأكثر ما كان المتنبي يستعمل هذا القسم في قصائده الكافوريات.
كمال الاتصال:
هو أن تكون الجملة الثانيةً متصلة اتصالًا تامةً بالجملةً الأولى. وقد تقدم في الفصل والوصل.
كمال الانقطاع:
 وهو من المواضع التي يجب فيها الفصل ويكون لأمر يرجع إلى الإسناد أو إلى طرفيه٬ وقد تقدم في الانقطاع والفصل والوصل.

كمال البيان:
 قال العلوي: "إن لهذا الصنف من المكانة البلاغيةً موقعًا عظيمًا٬ وحاصلةً في لسان أهل البلاغة أنه كشف المعنى وإيضاحه حتى يصل إلى النفوس على أحسن شيء وأسهله". وهو حسن البيان وقد تقدم.
كمال المعنى:
 قال ابن سنان: "وأما كمال المعنى فهو أن تستوفي الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل جودته". وذلك مثل قول نافع بن خليفة الفنوي:
رجال إذا لم يقبل الحق منهم   ويعطوه عاذوا بالسيوف القواضب
 فتمم المعنى بقوله: "ويعطوه" لأنه لو اقتصر على قوله: "إذا لم يقبل 
الحق منهم عاذوا بالسيوف" كان المعنى ناقصًا.
 الكنايةً: أن تتكلم بشيء وتريد غيره٬ وكنى عن الأمر يغيره يكني كنايةً٬ وتكنى: تستر إذا كنى عنه إذا وري٬ أو من الكنايةً.
 من أقدم الذين عرضوا للكناية أبو عبيدةً وهي عنده ما فهم من الكلام ومن السياق من غير أن يذكر اسمه صريحًا في العبارةً فهي تستعمل قريبة من المعنى البلاغي كما في قوله تعالى: ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) فهو كنايةً وتشبيه٬ وفي قوله تعالى: (أو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء) كنايةً عن الغشيان.

 وقد تأتي الكنايةً بمعنى الضمير وهو ما ذكره سيبويه وكرره أبو عبيدةً في "مجاز القرآن" والفراء "معاني القرآن" وأشار الجاحظ إلي الكنايةً والتعريض وذكر أنهما لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والكشف٬ وربطها بالوحي باللحظ ودلالةً الإشارةً ونقل عن شريح أنه قال: "الحدة ًكنايةً عن الجهل" ونقل عن أبي عبيدةً أنه قال: "العارضةً كنايةً عن البذاء" قال: "وإذا قالوا فلان مقتصد فتلك كنايةً عن البخل٬ وإذا قيل للعامل مستقص فذلك كنايةً عن الجور". وهذا هو المعنى الذي وقف عنه البلاغيون والنقاد.
 وذكر ابن المعتز فنًا من محاسن الكلام هو "التعريض والكنايةً" ولكنه لم يعرفهما وأدخل فيهما ما سمي لغزًا وذكر قول بعضهم:
أبوك أب مازال للناس موجعًا   لاعناقهم نقرا كما ينقر الصقر
إذا عوج الكتاب يوما سطورهم  فليس بمعوج له أبدًا سطر
وتقع الكنايةً عند المبرد على ثلاثةً أضرب:
أحدها: التعمية والتغطية كقول النابغةٌ الجعدي:
أكني بغير اسمها وقد علم الله خفيات كل مكتتم
 وقال ذو الرمة استراحةً إلى التصريح من الكنايةً:
أحب المكان القفر من أجل إنني   به أتغنى باسمها غير معجم

 وثانيها: الرغبةً عن اللفظ الخسيس المفحش على ما يدل على معناه من غيره كقوله تعالى في المسيح وأمه: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) وهو كنايةً عن قضاء الحاجةً.
 وثالثها: التفخيم والتعظيم ومنه اشتقت الكنيةً وهو أن يعظم الرجل أن يعظم يدعى باسمه٬ وقد وقعت في الكلام على ضربين: في الصبي جهة التفاؤل بأن يكون له ولد ويدعي بولده كناية عن اسمه٬ وفي الكبير أن ينادي باسم ولده صيانة لأسمه.
  وذكر قدامةً فنًا سماه الإشارةً٬ وهو أن يكون اللفظ القليل مشتملًا على معان كثيرةً بإيماء إليها أو لمحةً تدل عليها كما قال بعضهم وقد وصف البلاغةً "هي لمحةً دالةً". وذكرني باب ائتلاف اللفظ والمعنى فنًا سماه "الأرداف" هو أن يريد الشاعر دلالةً على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له فإذا دل على التابع أبان عن المتبوع٬ كقول عمر بن أبي ربيعةً:
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل   أبوها وإما عبد شمس وهاشم
 وإنما أراد أن يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص بل أتى بمعنى وهو تابع لطول الجيد وهو بعد مهوى القرط.
 وتحدث أبن سنان عن حسن الكنايةً عما يجب أن يكنى عنه في المواضع التي لا يحسن التصريح فيها٬ وعده أصلًا من أصول الفصاحةً وشرطًا من شروط البلاغةً.

  وتحدث عن الإرداف وقال: "ومن نعوت البلاغةً والفصاحةً أن ترد الدلالةً على المعنى فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغةً بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورةً فيكون في ذكر التابع دلالةً على المتبوع٬ وهذا يسمى الإرداف والتتبيع لأنه يؤتى فيه اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه".
  واختلط مصطلحا "الكنايةً" و "التعريض" عند العسكري وقال: هو أن يكني عن الشيء ويعرض به ولا يصرح على حسب ما عملوا باللحن والتورية عن الشيء" وتحدث عن الإرداف والتوابع وقال: " إن يريد المتكلم الدلالةً على معنى فيترك اللفظ الدال عليه الخاص به ويأتي بلفظ هو ردفه وتابع له فيجعله عبارةً عن المعنى الذي أراده٬ وذلك مثل قول الله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) وقصور الطرف في الفصل موضوعةً للعفاف على جهةً التوابع والإرداف٬ وذلك أن المرأةً إذا عفت قصرت طرفها على زوجها فكان قصور الطرف ردفا للعفاف٬ والعفاف ردف وتابع لقصور الطرف" وتكلم عن الممثلة وهي: " إنما يريد المتكلم العبارة عن معنى فيأتي بلفظةً تكون موضوعةً لمعنى آخر إلا أنه ينبئ إذا أورده عن المعنى الذي أراده كقولهم: "فلان نقى الثوب" يريدون أنه لا عيب فيه وليس موضوع نقاء الثوب البراءةً من العيوب وإنما استعمل فيه تمثيلًا"
  وادخل ابن رشيق الكناية في باب الإشارةً وهي عنده من غرائب الشعر وملحه٬ وبلاغته عجيبةً تدل على بعد المرمى وفرط المقدرة وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر٬ وهي في كل نوع من الكلام لمحةً دالةً واختصار

وتلويح يعرف مجملًا٬ ومعناه بعيد من ظاهر لفظه٬ ومن أنواعها التفخيم والإيماء والتعريض والتلويح والكنايةً والتمثيل والرمز واللمحةً واللغز واللحن والتعميةً والحذف والتوريةً والتتبيع. وقال عن الكنايةً: "والعرب تجهل المهاةً شاة لأنها عندهم ضائنةً الظباء٬ ولذلك يسمونها نعجةً. وعلى هذا المتعارف في الكنايةً جاء قول الله – عز وجل _ في أخباره عن خصم داود – عليه السلام - : (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ) كنايةً بالنعجةً عن المرأةً٬ وقال امرؤ القيس:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها   تمتعت من لهوبها غير معجل
 كنايةً بالبيضةً عن المرأةً "وقال أن من الكنايةً اشتقاق الكنيةً لأنك تكني عن الرجل بالأبوةً٬ وذكر الضرب الثلاثةً التي ذكرها المبرد.
 وبدأ فن الكنايةً بأخذ طابعه العلمي بعد ذلك فقال عبد القاهر: "الكنايةً أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغةً ولكن يحي إلى معنى هو إليه وردفه في الوجود فيومئ به إليه ويجعله دليلًا عليه".
 وقال الرازي: "اعلم أن اللفظةً إذا أطلقت وكان الغرض الأصلي غير معناها فلا يخلو عما أن يكون معناها مقصودًا أيضًا ليكون دالًا على ذلك الغرض الأصلي٬ وأما أن لا يكون٬ فالأول الكنايةً٬ والثاني المجاز".
وقال ابن الزملكاني: "هي أن تريد إثبات معنى فتترك اللفظ الموضوع له وتأتي بتاليه وجودًا لتومئ به إليه وتجعله شاهدًا ودليلًا عليه".

 وقال السكاكي: هي ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما هو ملزومه لينتقل من المذكور إلى المتروك".
وذكر ابن الأثير عدة تعريفات ورجح "أنها كل لفظةٌ دلت على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقةً والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز".
 وقال القزويني: "الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه حينئذ".
وقال المصري: " هي أن يعبر المتكلم عن المعنى القبيح باللفظ الحسن وعن الفاحش بالطاهر".
وذكر العلوي عدة تعريفات ثم قال: "فالمختار عندنا في بيان ماهيةْ الكنايةً أن يقال هي اللفظ الدال على معنيين مختلفين حقيقة ومجازًا من غير واسطةً لا على جهةً التصريح.
 وقال الزركشي: "الكنايةً عن الشيء: الدلالة عليه من غير تصريح باسمه٬ وهي عند أهل البيان أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له من اللغة ولكن يجيء إلى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود ويجعله دليلا عليه فيدل على المراد من طريق أولى".
 وفرق الحموي بين الكنايةً والإرداف فقال عنها: "الكنايةً هي الإرداف بعينه عند علماء البيان٬ وإنما علماء البديع افردوا الإرداف عنها٬ والكنايةً هي أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في

اللغةً ولكن يجي إلى معنى هو ردفه في الوجود فيومي إليه ويجعله دليلًا عليه" وقال في الإرداف: "نوع الإرداف: انه هو الكتابةً شيء واحد. قلت: وإذا كان الأمر كذلك كان الواجب اختصارهما وإنما أئمةً البديع كقدامةً والحاتمي والرماني قالوا: أن الفرق بينهما ظاهر. والإرداف هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له بل يعبر عنه بلفظ هو رديفه وتابعه" وقال المدني: "هي ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر لازمه المساوي لينتقل الذهن منه إلى الملزوم المطوي ذكره"٬ وقال السجلماسي: هي اقتضاب الدلالةً على ذات المعنى بما له إليه نسبةً".
 ولا يخرج كلام الآخرين على الكتابةً عما تقدم. واختلف البلاغيون في الكتابةً٬ هل هي حقيقةً أم مجاز؟ وقد أنكر الرازي أن تكون مجازًا وفعل مثله عز الدين بن عبد السلام الذي قال: "الظاهر أن الكناية ليست من المجاز استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالةً على غيره ولم نخرجه عن أن يكون مستعملًا فيما وضع له". وذهبت جماعةً إلى أنها مجاز كالعلوي الذي قال: "وهكذا اسم المجاز ذاته فإنه شامل لأنواعه من الاستعارةً والكنايةً والتمثيل" وقال السكاكي أنها نازلةً من المجاز منزلةً المركب من المفرد" ولذلك أخر بحثها عن المجاز٬ وعد ابن الأثير الكنايةً من الاستعارةً وقال إن كل كنايةً استعارةً وليست كل استعارةً كنايةً.

 وذهب القزويني إلى أنها واسطةً بين الحقيقةً والمجاز وعلل الدسوقي ذلك بقوله: الكنايةً إخراجها على أنها واسطةً لا حقيقةً ولا مجاز٬ أما أنها ليست حقيقةً لأنها – كما سبق – اللفظ المستعمل فيما وضع له٬ والكنايةً ليست كذلك وأما أنها ليست مجازًا فلأنه اشترط فيه القرينةً المانعةً عن إرادةً الحقيقةً٬ والكنايةً ليست كذلك ولهذا أخرجها من تعريف المجاز".
 ولخص السيوطي المذاهب المختلفة في الكناية وحصرها في أربعة:
 الأول: أنها حقيقةً قالها ابن عبد السلام وهو الظاهر لأنها استعملت في رضعت له وأريد بها الدلالات على غيره.
 الثاني: أنها مجاز.
 الثالث: إنها حقيقة ولا مجاز واليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها.
 الرابع: وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنها تقسم إلى حقيقة ومجاز٬ فإن استعمل اللفظ في معناه مرادًا من لازم المعنى أيضًا فهو حقيقةً وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله فيما وضع له.
ولم يكن للكنايةً في مراحل التأليف الولي تقسيم الواضح٬ ولكن٬ ابن الأثير قسمها في كتابه "الجامع الكبير" إلى أربعةً أقسام هي: التمثيل والإرداف والمجاورة والكنايةً التي ليست تمثيلًا ولا إردافًا ولا مجاورةً. وفي كتابه "المثل السائر" قال إن هذا التقسيم غير دقيق٬ وقسمها إلى لونين: ما يحسن استعماله وما لا يحسن استعماله وهو عيب في الكلام فاحش. وقسمها

السكاكي ومن سار على نهجه كالقزوينى وشراح التلخيص إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الكنايةً المطلوب بها نفس الموصوف٬ وهي قريبةً وبعيدةً٬ ومثال القريبةً قول الشاعر كنايةً عن القلب:
الضاربين بكل أبيض مخذم   والطاعنين مجامع الأضغان
و"مجامع الأضغان" كناية عن القلوب.
وقول أبي العلاء:
سليل النار دق ورق حتى   كأن أباه أورثه السلالا
و"سليل النار" كناية عن السيف.
وقول الآخر:
ودب لها في موطن الحلم علة   لها كالصلال الرقش شردبيب
و "موطن الحلم" كنايةً عن الصدور.
 والكنايةً البعيدةً أن يتكلف المتكلم اختصاصها بأن يضم إلى لازم لازمًا آخر وآخر حتى يلفق مجموعًا وصفيًا مانعًا من دخول كل ما عدا مقصوده٬ كأن يقال في الكنايةً عن الإنسان: "حي المستوي القامةً عريض الأظفار".
الثاني: الكنايةً المطلوب بها نفس الصفة٬ً وهي قريبةً وبعيدةً٬ فالقريبةً كقول طرفةً:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه  خشاش كرأس الحيةً المتوقد

وقد كني عن صلابة جسمه ولحمه ومضى رأيه وتوقد ذهنه وذكائه.
وقول الآخر:
ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا   ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وهذا كنايةً عن الشجاعةً.
والكنايةً البعيدةً هي الانتقال إلى المطلوب من لازم بعيد بواسطةً لوازم متسلسلةً كقول نصيب:
لعبد العزيز على قومه    وغيرهم من ظاهره
فبابك أسهل أبوابهم   ودارك مأهولة عامره
وكلبك آنس بالزائرين  من الأم بابنتها الزائرة
 فإنه انتقل من وصف كلبه بما ذكر أن الزائرين معارف عنده٬ ومن ذلك إلى اتصال مشاهدتهم ليلًا نهارًا٬ ومنها إلى لزومهم بابه٬ ومنها إلى وفور إحسانه وهو المقصود.
ومنه قول المتنبي:
تشتكي ما اشتكيت من ألم الشو    ق إليها والشوق حيث النحول

 الثالث: الكنايةً التي يطلب بها تخصيص الصفةً بالموصوف وهي الكنايةً عن النسبة ويراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه أو كما قال ابن الزملكاني: "أن يأتوا بالمراد منسوبًا إلى أمر يشتمل عليه من هي له حقيقةً". ومن هذا النوع قول زياد الأعجم:

إرسال تعليق

0 تعليقات