هل يرسم هذا الفنان لوحاته من أجل الفن والله والوطن
بعض الأصدقاء على فيسبوك مركزين على نشر صور لوحات لأجساد نساء عاريات.. وبيكتبوا معاها كلام عن الفن والابداع والرقي والجمال و و و و و... والغريبة انهم بمنتهى الزهو حاسين إنهم بكده تقدميين ومتحضرين وأنهم طلائع الحرية، وأول ناس خرجت من قفص الإنسانية..
وأنا رأيي إن كل ده كلام فارغ... وإن الناس دي فعلا خرجت من أقفاص الإنسانية، لكن علشان يدخلوا قفص القرود.. والموضوع مش محتاج منهم ينظروا إلينا من برج إيفل، ويكلمونا من أطراف مناخيرهم ويشرحولنا رؤيتهم الفنية العظيمة.. ومشوار صغير منهم لحديقة الحيوانات كان هيديهم بدائل طبيعية ومناظر حقيقية عارية، لكن للقرود والنسانيس..
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يرسم هذا الفنان لوحاته من أجل الفن والله والوطن؟!
معتقدش طبعا..
الفن زي أي تجارة تخضع لذوق الذبون وتقلبات العرض والطلب.. والفنان مجرد تاجر يطمح إلى ما في جيبك مثلما تطمح أنت لما يرسمه من لوحات.
ولو كان الذبائن من مشجعي الكرة، هيرسملهم صور وبانرات وتصميمات للألتراس وكريستيانو رونالدو وميسي ومارادونا وأبوتريكة، ورمضان صبحي وهو واقف عالكورة.. ولو من الثوار هيرسملهم جرافيتي للشهداء وجيفارا..
أما جسد المرأة فهو تجارة مضمونة ورائجة ورابحة.. ماركة مسجلة.. بضاعة لكل الزبائن.. وسيلة بتمشي الحال الواقف يا حبيبي..
هتلاقيها في السوبر ماركت على زجاجات البرفان وعلب الشيكولاتة وإعلانات البيبسي وأغلفة المجلات وكروت المعايدة، وفاترينات الملابس، والكازينوهات والبارات وأفيشات الأفلام..
وهتلاقيها بتستقبلك في مطعم خمس نجوم وتقدملك مشروب وصدرها مفتوح، ولا غرابة أن المجلات الصفراء اللي بتستخدم الأجساد العارية تكون الأكثر بيعا.. وكأن مفيش وسيلة تجذب الانتباه إلا باستخدام هذا المعبود العصري الجديد..
إنه المعبود الذي تركع من أجله الزبائن ويخروا له ساجدين.. الصنم الذي تكتب فيه الأشعار والمسلسلات والروايات.. الموضوع الثري في ساحات النقد والفن والأدب والانتاج والاخراج.. المتعة التي تنتظرها أعين الشاويش والدرويش والمراهق والعجوز.. وهو طبعا الوسيلة الأسرع لنشل جيوب الجماهير..
والفن الذي يستخدم جسد المرأة العاري ليس سوى صورة مشينة من صور استغلال المرأة عبر التاريخ، وليس سوى تعبير عن فساد الذوق العام.. وعنصر ضمن عناصر أخرى تستخدمها الرأسمالية العالمية لإغراق الشعوب في متاهات الفوضى الجنسية والعري كحلقة من حلقات مسلسلات العنف والجريمة والدم التي تتجرعها المجتمعات تحت اسم الفن والسينما وغيرها فيصيبها التحلل والكسل والعفن..
مجرد خطة ماكرة وشيطانية لإفساد وقلب الحقائق بواسطة قوى ناعمة تسمي أنفسها فنانين ونقاد وأدباء تشكك القاريء في نفسه وفي قيمه وأخلاقياته، وتميته بالسم البطيء دون أن يعلم..
إن قيمة الفن كقيمة أي عمل، تكمن في رسالته ومضمونه.. وقد اخترت لكم هذه اللوحة التي أعرضها كأحد أهم أعمال الفنان "بيتر بروجل" بعنوان "انتصار الموت" والتي رسمها قبل خمس قرون..
إنها لوحة تتجاوز كل المتناقضات لتعبر عن أوروبا في عصور الظلام والقرون الوسطى.. ساحة مدينة صغيرة يأتيها الموت البشع من كل اتجاه.. الوجود والعدم، الفلاح والإقطاعي، التاجر والبهلوان.. لا مفر، والكل أمام الموت سواء..
إنها لوحة لأوروبا حيث عصور الظلام والقرون الوسطى ومحاكم التفتيش والصراعات والأوبئة والطاعون القاتل والحروب الدموية بين الكاثوليك والبروتستانت..
تلك كانت ملحمة أوروبا قبل أن يتمخض جبل الصراعات لينجب لنا اليورو، وغواصة "تايفون" القادرة على محو قارة بأكملها من الوجود.. تلك كانت أوروبا قبل أن تفوض السيدة "آشتون" لتجوب العالم وتتحكم في مصائر شعوب وبلدان..
إذا أردت أن تكتب فاكتب بجد، وإذا أردت أن تنتقد فانتقد بكل جد.. فلا تكتب أو تنتقد من أجل الاستعراض وتضييع الوقت..
ونصيحتي لكل الأصدقاء أن تقرأوا كل ما يصل إليكم، وتشاهدوا كل ما يقع أمام أعينكم بعقل ناقد ورؤية شاملة.. فالطريق إلى جهنم مفروش أحيانا بالورود والنوايا الحسنة..
Ahmed Seada
0 تعليقات