أحد الزملاء الملاحدة سأل عن قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } ﴿٢٩﴾ سورة التوبة.
وأنه أمر إلهي مباشر بقتل كل كافر!
الرد:
1- في البداية نتفق أن الإلحاد يبيح قتل أهل الأرض جميعًا لأن الحياة لا معنى مادي لها ولا تفسير في الإطار المادي لوجودها، فجميع البشر مجرد نفايات نجمية بلا قيمة -كما قال كارل ساغان- We're made of star-stuff، فلا فرق بين أن تبيد أهل الأرض وبين أن تكنس الرصيف أمام منزلك -لأنك بكنس الرصيف تقتل آلاف المستعمرات البكتيرية التي تقطنها مليارات الباكتريا، ولا فرق تطوري بين الإنسان والباكتريا إلا فرق في الدرجة-!
2- اعتبار أن قتال الكفار شبهة هذا يعني عدم وجود الإلحاد، فأنت تقر داخلك أن للحياة معنى وللوجود قيمة وغاية وهذا ينسف الإلحاد، ويؤكد أنه لا يوجد ملحد واحد يلحد إلحادًا كاملاً على وجه الأرض.
بل ويؤكد قيمة التكليف الإلهي الذي صبغ الله عليه البشر جميعًا، فحتى الملحد يقر بقيمة الإنسان وغاية وجوده وإلا لاستوى عنده إبادة البشر وإحياؤهم، ولما استوعب شبهة القتل ولا غيرها من الشبهات في هذا الباب!
3- بخصوص الآية الكريمة {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } لو اكملها صاحب الشبهة فقط لانتهى الإشكال فنحن نقاتلfight وليس نقتل kill .
ثم نحن نقاتل مَن؟
أكمل الآية: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} ﴿٢٩﴾ سورة التوبة.
الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، أي يستبحيون المحرمات وينتهكون الأعراض، وهؤلاء يقاتلهم كل الشرفاء وكل الدساتير حتى الوضعية فالكافر الذي اجتمع مع كفره إباحته لكل المحرمات واستباحته لكل الأعراض هذا يجب أن يقاتله المسلمون.
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} ﴿٢٩﴾ سورة التوبة.
بل ولو أكمل الآية لآخرها لعرف الفرق بين القتال fight المأمور به في الآية والقتل kill، فلو كانت القضية قتلاً وتصفيةً حتى لهؤلاء المستبحين لكل الحرمات كما يروج الملحد لما بقوا حتى يدفعوا الجزية! أليس كذلك؟
4- أما الكافر المجرد فلا يُقتل لكفره، وإنما الذي يُقاتل هم الطواغيت الذين لا يسمحون لرسالة الله أن تنتشر في شعوبهم، أما الذمي الكافر المسالم الذي الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله فقد كفل له الإسلام منتهى الرعاية والصيانة، بل الإسلام صريح في أن مجرد التعرض للمعاهد أو الذمي الكافر، يجعل المسلم لا يرح رائحة الجنة!
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً". أخرجه البخاري.
تخيل أن قتل كافر لا يجعلك ترح رائحة الجنة؟
أيضًا اقرأ قوله تعالى: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴿١٩٠﴾ واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ﴿١٩١﴾ فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ﴿١٩٢﴾ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ﴿١٩٣﴾} سورة البقرة.
5- بل لقد قال الله عز وجل عن الكافر المسالم {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} ﴿٨﴾ سورة الممتحنة.
6- داخل الإلحاد يجب تصفية كل البشر -البقاء للأصلح survival for the fittest- يجب قتل kill كل الأجناس الأدني، بل وقتل كل البشر ليست مشكلة لأنه لا معنى ولا قيمة ولا غاية.
لكن الملحد لن يفعل ذلك ولن يُقر به، لأنه لا يستطيع إنسان أن يلحد إلحادًا كاملاً حتى ولو أراد ذلك من كل قلبه! فداخله كما قررنا تكمن قيمة التكليف الإلهي والإنسان ليس مخير في رفض هذا التكليف!
لكن قيمة الإنسان لن تتحقق إلا بمدد من عالم آخر غير عالمنا المادي وهذا يسقط الإلحاد أو يسقط معنى وجود الإنسان ككل فليختر الملحد أحدهما!
ولن يستطيع إنسان أن ينسى الله إلا وسينسى نفسه وقيمتها بعد ذلك مباشرةً {نسوا الله فأنساهم أنفسهم } ﴿١٩﴾ سورة الحشر.
المدهش أني بعد أن أجبت هذا الزميل بما تقدم وصفني بالمسلم الكيوت-اللطيف-!
مع أني فسرت القرآن بالقرآن وهذه قمة الضبط وأعلى درجات التفسير كما يقرر الأصوليون!
ولذا علقت عليه قائلاً: إذن إسلامي كله كيوت!
لكن يبدو أن الزميل تأثر بشبهات الملاحدة حيث يزعمون بناءًا على قول بعض المتأخرين أن هذه الآية آية السيف"التوبة:29" نسخت قرابة مائتي آية من كتاب الله وهي آيات الموادعة والمصالحة وآيات {لا إكراه في الدين} ﴿٢٥٦﴾ سورة البقرة، وآيات {لكم دينكم ولي دين} ﴿٦﴾ سورة الكافرون، وآيات الأمر بالجنوح للسلم {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم} ﴿٦١﴾ سورة الأنفال.
ولا يدري المسكين أن هذا قول ضعيف متأخر لا يُعتد به، وقد وصف ابن الجوزي في كتابه “نواسخ القرآن” القائلين به بأنهم : "لا فهم لهم من ناقلي القرآن، إنما نسخت آية السيف حكماً واحداً هو إتمام العهد لمن عاهدوه من المشركين بالكف عن قتالهم، فنسخت ذلك."
والأصل في التعامل مع كافة المشركين قوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴿١٩٠﴾ واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ﴿١٩١﴾ فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ﴿١٩٢﴾ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ﴿١٩٣﴾} سورة البقرة.
لكن هذا حال الملحد:
أ- اتباع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله!
ب- اتباع أقوال المتأخرين!
ج- ترك الأثر الصحيح " القرآن والسنة الصحيحة" والتعلق بقال فلان!
د- ترك المحكم الذي يقرر المصالحة والموادعة، والالتفات إلى الأحكام الخاصة!
هذا هو أصل شبهات الكافرين، أما غير ذلك فوطابهم خاوٍ وحججهم صفر..
----
د.هيثم طلعت
0 تعليقات