الشكاوى الجسمية وعلاقتها بأساليب مواجهة الضغوط لدى المسنين

محاضر بجامعة المنيا


مقدمة
ازداد الاهتمام في الفترة الأخيرة بالمسنين ويرجع ذلك لعدة اعتبارات لعل من بينها بل وأبرزها ما توصلت [ليه الدراسات والبحوث حول ارتفاع متوسط عمر الإنسان في جميع الدول. حيث يذكر المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، التابع لمنظمة الصحة العالمية أن نسبة المسنين ذوى الأعمار من ٦٥ عاما فأكثر تبلغ 3,3% حسب تقديرات سنة ٩٩٧ ١ . وتد بلغت نسبة المسنين في مصر٥ ,٧% في عام ٢٠٠٠ وستصل هذه النسبة إلى ٤ ,٨ % بحلول عام ٢٠٢٥ ويؤدى التصنيع والمتغيرات الناجمة عنه إلى تحول الأسر الممتدة إلى اسر نووية، الأمر الذي يعنى ازدياد صغر حجم الأسرة وضرورة اعتماد المسنين على ذاتهم في رعاية أنفسهم . (نادية عبده عواض، ٢٠٠٢، ص ١١٢)

وتعد مرحلة الشيخوخة إحدى مراحل النمو الأساسية التي يصاحبها العديد من التغيرات الفسيولوجية والبيولوجية والاجتماعية والنفسية ويترتب على هذه التغيرات ظهور العديد من المشكلات، ألتي تعوق توافق المسن مع آسرته ومجتمعه بوجه عام وتؤثر على حالته النفسية والجسمية بوجه خاص.
(عبد اللطيف محمد خليفة٬ 1997 ص 73) وقد اهتمت الدولة بقضايا المسنين من خلال عقد وتنظيم سلسلة من المؤتمرات والندوات التي تتركز موضوعاتها حول قضايا رعاية السنين والاهتمام بهم كفئة جديرة بالرعاية والاهتمام بكل ما يحفظ صحتهم. (محمد سلامة، ٠٣ ٢٠، ص2) فالمسنين هم بالفعل ثروة بشرية حقيقية لكل شعب والاهتمام بهم ورعايتهم وحفظ صحتهم وتعزيزها، وتشيط دورهم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتربوي بما اكتسبوه من خبرات وتجارب وبما يمثلونه من زيادة ومثل عليا إنما هو أيضا معين هائل لعملية التنمية في كل المجالات إذا أحسنا الاهتمام بهم، وتلقوا الرعاية المناسبة، وإلا فإنهم قد يصبحون عبئا على التنمية نفسها في حال تجاهلهم وإهمال قضاياهم وتردى أوضاعهم الصحية والاجتماعية، ناهيك عن أن من يهتم بالمسنين إنما يهتم من حيث الجوهر بمستقبل كل فرد وأسرة ومجتمع. ( نادية عبده عواض، ٠٢ ٢٠، ص ١٢ ١ ) ومن بين ألأشخاص كبار السن فإن حالات الضعف الملحوظة في الصحة مع بداية أمراض جديدة وزيادة عدد الزيارات التي يقومون بها للأطباء بغرض الرعاية تتنبأ بكيف سيتكيف معها هؤلاء الأشخاص إن لمتغير الصحة الجسمية لكبار السن قيمة اجتماعية بالنسبة لهم. فكلما كانت حالتهم الصحية جيدة ساعدهم ذلك على تعدد النشاطات التي يقومون بها واستمرار علاقاتهم الاجتماعية وتعدد دوائرها سواء مع الأبناء أم الأهل أم الأصدقاء والجيران ويمتد هذا التأثير ليشمل شعور المسن بالتوافق بشكل عام وتمتعه بالصحة النفسية بوجه خاص. (عزة عبد الكريم٬ 2002٬ ص 398)
ويتسق ذلك مع ما ؟شار إليه اريكسون (erecksen, 1993)  من أن مفتاح التكامل integration في مرحلة الشيخوخة يكمن في قابلية الفرد للتغلب على الأزمات النفسية إلى جانب بعض المتغيرات الوثيقة ببعضها من قبيل الأدوار الاجتماعية والصحة الجسمية والبيئة الاجتماعية التي تتضمن العلاقات الاجتماعية السابقة والخالية مع الأفراد المحيطين.
( مديحه محمد العزبي، ٩٩٢ ١٬ ص ص ٩٨ - ٩٩)
أن شعور السن بأنه مازال يتسم بالفعالية الذاتية وبالتحكم في شئون حياته يسيرها كما يريد وقتما يريد إنما يدعم من صحته النفسية ويمده بالتحصين ضد الضغوط التي تفرضها عليه الشيخوخة.
مشكلة الدراسة:
توصف مرحلة الشيخوخة بوجه عام بأنها مرحلة ضعف الصحة الجسمية فحتى مع عدم الإصابة بمرض يشعر المسنون بأنهم ليسوا على ما يرام فيعانون من الأمراض المتوهمة ويركزون على أي صداع آو ألم ويبالغون فيه كما أن الحديث عن الآلام والأوجاع والطب والأطباء حديث مفضل لدى معظمهم لقضاء الوقت ويفيد ذلك كوسيلة لجذب الانتباه وكسب المشاركة الوجدانية مع الآخرين. (آمال صادق وآخرون، ١٩٩٥، ص ص27- 630) ويعتقد بعض الأشخاص الأكبر سنا بائهم مرضى ويشتكون دائما من الآلام والأوجاع والتي لا يكون لها سبب بدني مقبول ظاهريا (Davison.G, , 2003)


ووفقا لنظرية التنافر المعرفي والتي قدمها ليون فستنجر (Festinger. L,1965) فإن أدراك الفرد لوجود تدهور لديه في جانب معين (مثل أصابته بمرض معين) من شأنه آن يضف صحته الجسمية والنفسية (Wood.J, 1989, P.23).
ففي دراسة لجودرن شنايدر وآخرين (Schneider. G, et.al, 2003) كانت الأعراض غير المفسرة طبيا أكثر تكرارا بين المرضى المسنين الذين يعيشون بمفردهم.( Schneider. G, et.al, 2003).
ومن المقبول ظاهريا افتراض أن الشكاوى الجسدية Somatic complaints، التي يتم الشعور بها ذاتيا ستظهر ارتباطا ضعيفا بمؤشرات الصحة الموضوعية نظرا لكونها مرتبطة بالتوتر وبالاستفادة من الرعاية الصحية المتكررة.
(Smith.G, et.al,2000. PP.481-489)
إذ يبدو آن شكواهم الزائدة تكون مرتبطة بالعصابية Neuroticism والتوافق الضعيف.
(Davison. G & Neal.J, 2001, P.479)
ونظرا لتزايد الضغوط والتغيرات التي يتعرض لها كبار السن في تلك المرحلة العمرية نتيجة لكل من تقدم العمر من جانب وتغير الأدوار من جانب اخو - كما يحدث عند التقاعد والترمل - نجد آن تلك الضغوط تؤثر عنى المسنين من خلال محورين؛ المحور الأول ويتعلق بتأثيرها بشكل جوهري على شخصياتهم مما يؤدى بالتالي إلى حدوث خلل في أحد الأجزاء المهمة من الشخصية، أما فيما يتعلق بالمحور الثاني، فنجد أن تلك الضغوط ترفع بدورها من معدلات الإصابة بالاضطرابات الجسمية والنفسية مما يعول دون التوافق الجيد. فقد أشارت نتائج الدراسات إلى وجود علاقة ايجابية بين إدراكا أحداث الحياة الضاغطة وبين الإصابة بالأمراض الجسمية والنفسية.
(عماد سمد إبراهيم، ١٩٩٥)

 كما وجدت علاقة بين بعض أساليب المواجهة والإصابة بالمرض والتنفيس الانفعالي، والإنكار وتقليل حجم المشكلة وبين، كل من الإصابة بالقلق والاكتئاب.
 (Sprinthail & Collins. 1995 , P.447)
وتشير التقارير الطبية في الولايات المتحدة إلى أن ٧٥% من المشكلات الصحية لها علاقة بشكل آو بآخر بالضغوط النفسية وتشمل قائمة الأمراض القرحة Ulcerعلى سبيل المثال والصداع النصفي Mignaine         Headache وضغط الدم، وعدم القدرة على النوم والأرق Insomnia والمشكلات الجنسية وتصلب القولون ودقات القلب غير المنتظمة.
( علي عسكر٬ 2000 ٬ ص22)
ويتسق ذلك مع إشارة العديد من العلماء إلى تأثر الأنظمة الفسيولوجية للفرد بالواجهات التي لا يستطيع الاستجابة لها بشكل مناسب.
(نوال سيد محمود،٢٠٠٤، ص ٢٧) وترى ابشيرش (1999 Upchurch) إن المشكلات الصحية المزمنة لدى المسنين يمكن آن تؤثر على رفاهيتهم وتنعكس آثارها على شئون حياتهم والرضا عنها. (Upchurch. S, 1999, P.251) وتفترض بعض الأدلة التجريبية أن تجاهل الشكاوى الجسدية والتركيز بدلا من ذلك على الجوانب الإيجابية يمكن أن يكون مفيدا وقد يتيح تنوع الأنشطة لهؤلاء الأشخاص أن يقوموا بالأداء على الرغم من أعراضهم الصحية الملحوظة وربما يصلون إلى درجة من الرضا إلى حد ما عن حياتهم(Davison. G & Neal. 1 2001, P.479)

وفى ضوء ما سبق عرضه تنبثق مشكلة الدراسة الحالية والتي تتحدد في الإجابة عن التساؤلات التالية :
١- هل يختلف المسنون المرضى عن المسنين الأصحاء في التغيرات المنية بالدراسة (الاضطرابات النفسية جسدية الشكل- أساليب مواجهة الضغوط) ؟
٢- ما هي نوعية أساليب مواجهة الضغوط التي ترتبط بنوع آو أكثر من الاضطرابات جسدية الشكل المتمثلة في(اضطراب التحول - الاستغراق الجسدي - الاهتمامات الصحية)؟
٣— ما هي طبيعة العلاقة الارتباطية بين أساليب مواجهة الضغوط والاضطرابات النفسية جسدية الشكل لدى عينة من المسنين ؟
٤— هل تختلف الاضطرابات جسدية الشكل باختلاف أساليب مواجهة الضغوط لدى المسنين؟



١- إعادة تقنين مقياس أساليب مواجهة ضغوط الحياة لدى المسنين بهدف الاطمئنان إلى استخدامه على عينة الدراسة الحالية بعد توافر شروطه السيكومترية من ثبات وصدق.
٢- الكشف عن طبيعة الفروق القائمة بين المسنين المرضى والسنين الأصحاء فيما يتعلق بمتغيرات الدراسة الخالية (الاضطرابات النفسية جسدية الشكل - أساليب مواجهة ألضغوط).
3- الكشف عن طبيعة الاضطرابات النفسية جسدية الشكل لدى المسنين.
٤- الكشف عن شكل ومقدار العلاقة بين بعض الاضطرابات جسدية الشكل وأساليب الواجهة لدى فئة المسنين. أهمية الدراسة
 ١- الأهمية النظرية :
ا - ترجع أهمية الدراسة إلى أنها تهتم بتناول موضوع تندر فيه الدراسات العربية. ففي حدود علم الباحث لاحظ أن أمراض الاضطرابات النفسية جسدية الشكل وأنواعها ما زالت بحاجة إلى الكثير من الدراسات والبحوث التي تتناوله من زوايا وجوانب متعددة بحيث يمكن الإحاطة بطبيعة هذه الاضطرابات وتفسيرها.
ب - تعتبر عينة الدراسة (المسنون) في حد ذاتها من أهم عناصر وأسباب أهمية الدراسة الحالية. فمرحلة الشيخوخة من المراحل الحساسة في عمر الإنسان بأحداثها الضاغطة وتأثيراتها على وظائفه الجسمية والنفسية والاجتماعية، إلا أن الفكرة السائدة لدى بعض أفراد المجتمع ترى أنها مرحلة غير مغرية بالدراسة والبحث لاعتبارها مرحلة عمرية تتسم بالتدهور والوهن والاعتمادية لكن المشكلة الحقيقية ليست في تدهور طاقة المسن بل في عجزه عن توجيهها بما يتناسب مع إمكاناته المتاحة، حيث يمثل المسنون نسبة ٣,٦% من نسبة السكان في مصر آي آن عددهم يقترب من أربعة ملايين ونصف المليون، وهم يستهلكون ما يزيد على ثلث الخدمات الصحية المتاحة.
( محمد عبد الفتاح العكل، 2004، ص 3)
- تعد دراسة المسنين من الموضوعات الجديرة بالبحث وتحتاج إلى تضافر جهود العلماء من التخصصات المختلفة لفهم أبعاد هذه الرحلة العمرية الهمة وما يعتريها من تطور
(Zimbado, Webar, 1994, P.88)

د - إن التعرف على طريقة السن في إدراك الضغوط التي يتعرض لها ومصادرها والأساليب المختلفة لمواجهتها يعد مؤشرا مهنا للتنبؤ بالاضطرابات النفسية والجسمية التي يعانى منها وبالتالي يساعد ذلك في التعرف على الصحة النفسية للمسن مع إمكانية الاستفادة من ذلك في التخطيط، ووضع البرامج الإرشادية والعلاجية للمسنين ذوى المعاناة المرتفعة من ضغوط أحداث المياه، وكذلك المسنون الأكثر ميلا إلى استخدام أساليب المواجهة السلبية كالتوجه الانفعالي آو الاحجامى والانسحابي وذلك لمساعدتهم على تدعيم شخصيتهم وتعديل مدركاتهم. (هشام إبراهيم عبد الله، ٢٠٠١، ص58٣ )

إرسال تعليق

0 تعليقات