أثر فقهاء المالكية في تحقيق الوحدة السياسية


إن الحياة التي يعيشها الإنسان ذات أبعاد متعددة. يرتبط بعضها ببعض, ويساند بعضها الآخر. ومن ضمن الأبعاد الشخصين الإنسانية البعد السياسي والبعد العقدي. وما يطبعهما من اتصال وثيق. يمس جوهر بقية الميادين الحيوية للإنسان.([1]) ولقد كان الغرب خلال القرن الرابع الهجري متقطع الأوصال ومنهوكا من جراء الحروب والاضطرابات وألفهن نتيجة الصراع الأموي الفاطمي على أراضيه.
إضافة إلى تفكك الجبهة الداخلية حيث كانت البلاد تتوزعها خمسة كيانات: بنو يفرن بسلا ونابلا. والمغراويون بفاس وأغمات. والبورغواطيون بتامسنا, والخزرونيون بسجلهاسة ودرعة، وبنو سود بطنجة وسبتة وما إليهما- وثم يكن بمقدور أي كيان منهم توحيد البلاد, وإقامة سلطة قوية فيها. كما أن ألمغرب خلال هذه الفترة لم يخل من مذاهب متناقضة, حيث انفعل بكل المذاهب التي ظهرت بالشرق نظرا لما بينهما من روابط وعلاقات,فعرف مذهب الخوارج, ومذهب الاعتزال، ومذهب الشيعة. ومذهب أهل السنة, وبعض النحل المستحدثة مثل نحلة بورغواطة([2]).وأمام هذا التمزق السياسي والذهبي. غدا الغرب كيانا ضعيفا، بعيدا كل البعد عن العمل الجدي نحو البناء، وتعددت به مراكز الحكم بتعدد الأغراض والنزاعات. وأصبحت حركته التاريخية عديمة الفعالية أمام هذا الزخم من عوامل الفرقة والتشرذم. ومن هنا تأتى أهمية الحركة الثلاثية التي انبثقت عن جهود ثلاثة فقهاء مالكيين وهم: أبو عمران الفاسي. ووجاج بن زلو اللمطي، وعبد الله بن ياسين. في إطار تحقيق الوحدة السياسية والمذهبية بالمغرب, وكانت البداية حينما قصد يحيى بن إبراهيم الكدالي. أحد قادة القبائل الصنهاجية، منطقة الشرق سنة 427هــ. رغبة في الحج، وأثناء عودته عرج على مدينة القيروان حيث التقى بابي عمران الفاسي الغفجومي. أحد أشهر وأكبر فقهاء المالكين في عصره. وقد كان أبو عمران مطلعا على الأحوال الغربية. عالما بالاضطرابات السائدة جراء الصراع بين القبائل الزناتية. ورغم أنه نفي من الغرب, من أجل آرائه وأفكاره، إلا أنه استطاع أن يقوم بدور كبير في إصلاح بلده، وهو خارج عنها. فكان يبحث عن المغاربة الوافدين على إفريقية، ويحضهم على الخير, ويأمرهم بعدم الانسياق مع الأهواء السياسية([3]).وبعد اللقاء الذي جمع بين الرجلين والتفاوض حول الأوضاع الداخلية, وأوضاع القبائل الصنهاجية بالخصوص, تم الاتفاق على خطة تعتمد التلقين والتعليم, واستغلال الإمكانات الموجودة داخل المغرب. ففد كان أبو عمران يعلم أنه رغما عن إبعاده عن المغرب, فإنه يملك سلطة معنوية في بعض أجزائه. وأن رسالته التي يقوم بها في تكوين جيل واع وعارف بمسؤولياته لم تضع. فتلميذه وجاج اللمحلي يقيم مدرسته أجلو بأرض الصامدة بالسوس ينشر من خلالها الفقه المالكي([4])  لذلك سامع أبو عمران إلى إجابة يحيى بن إبراهيم الكدالي إلى ما يريده. لاسيما بعد أن أطلعه هذا الأخير على داء الجهل الذي يستشري في أوصال قبائل صناهجة, لانعدام العلماء بها, فأرففه برسالة كتابية إلى تلميذه عالم سوس وشيخها وجاج بن زلو اللمطي. ليبعث معه إلى صنهاجة أحد الطلبة. ممن لهم مهارات وكفاءات عالية, ومضى يجمع بين قوة الدين. واتساع العلم. وحسن السياسة. لأن مهمته مع قبائل تعرف من الإسلام إلا الاسم ستكون شاقة وصعبة، ووقع الاختيار على الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين الجزولي. وبالرغم من أن الهدف البعيد لم يكن واضحا في البداية بالنسبة لهمن عبد الله بن ياسين. إلا آن الوقائع التاريخية توحي بوجود علاقة بين الإصلاح الديني والإصلاح السياسي في تحركه([5]).ووجه همته في البداية إلي تصحيح العقيدة, ونبذ العادات الفاسدة, والتخلق بآداب الإسلام([6]). ونظرا لصرامته ووجهت تعاليمه بالرفض من طرف الصنهاجيين. فاعتزلهم واتخذ رباطا له صحبة يحيى بن إبراهيم وبعض الرجال. وجاء هذا القرار بناء على استشارته مع أستاذه وجاج فقيه سوس. فلما تسامع به الصنهاجيون تقاطروا على الرباط, حتى قوي أتباعه, وعرفوا بالمرابطين نسبة إلى رباطه. فنظمهم في إطار قوة. أسند قيادتها الحربية يحيى بن إبراهيم. واحتفظ لنفسه بالقيادة الدينية والتوجيهية وإذا كان عبد الله يسين جل فقهه في تكوينه الثقافي فقد كان عمليا هو السير الفعلي سياسيا ودينيا للمرابطين([7]).فبعد وفاة يحيى عين مكانه يحيى بن عمر اللمتوني ولما توفي بدوره سنة447هــ  أبا بكر بن عمر سنة448 هــ وبهذا وضع ابن ياسين اللبنة الأولى لدولة لمرابطين بعد إقدامه على توحيد قبائل صنهاجة ووجه اهتماماته إلى مناجزة المذاهب والكيانات السياسية لتي تشغل ربوع المغرب الأقصى، واستهل أعماله بالاستجابة لأهل درعة وسجلماسة الذين راسلوه في شأن تخليصهم من حكم المغراويين. وتم له النصر على جيوش الزناتيين، وادخل عبد الله بن ياسين عددا من الإصلاحات بالمنطقة, وألزمهم بالكتاب والسنة. ثم قصد بلاد سوس بصحبة القائد أبي بكر بن عمرو ابن عمه يوسف بن تاشفين، وأخضع بلاد جزولة. ومدينة ماسة، ومدينة رودانة([8])أو تارودانت معقل الشيعة الروافض. يقول بن أبي زرع في كتابه "الأنيس المطرب":"وكان برودانة قوم من الروافض يقال لهم البجلية منسوبين إلى عبد الله البجلى الرافضي. كان قدم إلى السوس حين قدم عبيد الله الشيعي إلى إفريقية. فأشاع هنالك مذهبه، فورثه جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن لا يرون الحق إلا ما هي أيديهم، فقاتلهم الأمير أبو بكر بن عمر وعبد الله بن ياسين حتى فتح مدينتهم عنوة. وقتل بها من الروافض خلق كثير، فرجع من بقي منهم إلى السنة([9])وتم لأبن ياسين إخضاع بلاد المصامدة, وبايعته رجراجة وحاحة طائعتين. واستولى على أغمات وتادلا بعد القضاء على إمارة بني يفرن. ثم عبأ قواته لمواجهة التحدي البورغواطي الذي بمثل نحلة مبتدعة، يقول ابن أبي زرع: "والأمير على بورغواطة يومئذ أبو حفص عبد الله بن أبى ... فكانت بينه وبين عبد الله بن ياسين حروب عظيمة وملاحم شديدة. مات فيها من الفريقين خلق كثير، واستشهد فيها عبد الله بن ياسين الجزولي([10])وتابع الأمير أبو بكر بن عمر المعركة حتى قضى على بورغواطة، ثم عاد إلى الصحراء للنظر في بعض الأمور العالقة. وتقلد أمور الرابطين يوسف بن تاشفين الذي أتم وحدة المغرب السياسية. وبهذا تمكن المرابطون من تحقيق الوحدة السياسية والمذهبية للمغرب الأقصى، بل للغرب الإسلامي قاطبة بامتداده الصحراوي إلى السنغال والنيجر ومعظم المغرب الأوسط. والأندلس إلى سرقسطة شمالا([11]), وتم إقرار مذهب مالك مذهبا رسميا للدولة، لاسيما وأن بمؤسسيها فقهاء مالكيون, وارتكزت مؤسسات الدولة على أساس الأخذ بالقوانين المالكية([12]), وعظم شأن الفقهاء المالكين بهذا العصر. وأصبح المذهب المالكي المكون الأساس للمنظومة العقدية والسياسية والثقافية للمجتمع الغربي. وصيغة التنشئة المجتمعية وفق خطوط المذهب المالكي. يقول عبد الله كنون: "وعلى كل حال فإن بمذهب مالك لم يتوطد أمره في هذا العصر كمذهب فقهي فقط ولكن كعقيدة أيضا. فإن التلازم بين طريقة في الفقه والاعتقاد. وهي أتباع السنة ونبذ الرأي والتأويل ما لا يخفى([13])ذلك أن المغاربة كانوا في حاجة إلى من يوحدهم روحيا وعقائديا وقانونيا. لأنهم سئموا من التفرقة العقائدية والسياسية، فالرافضة الشيعية في سوس وسجلماسة. والبورغواطيين في تامسنا. والخوارج في أجزاء أخرى من البلاد. ونظريات كثيرة تفد على الغرب من المشرق([14])لهذا رأى المرابطون أن الأخذ
  فضيلة الأستاذة. فاطمة نافع
 كلية الآداب والعلوم الإنسانية
 فاس- سايس

إرسال تعليق

0 تعليقات