أثر المشاركة في قوة العمل على للمرأة

وسام درويش بريك 
فوزي شاكر داود 

جريت الدراسة الحالية بهدف الكشف عن التأثير الناجم عن مشاركة المرأة الأردنية بمدينة عمان في قوة العمل على صحتها النفسية والجسمية. انطلقت فكرة الدراسة من التوجه الذي يرى أن قيام المرأة بأدوار متعددة، تفرض مطالب متعارضة، (الأدوار المهنية ـ  في مقابل الأدوار الأسرية) ، قد يعرضها إلى الصراع والضغط. شكلت عينة الدراسة من ( 1000) امرأة ،
راوحت أعمارهن بين (20- 60) عاماً، (565)  منهن من النساء العاملات ممن مضى على التحاقهن بالعمل (3) سنوات وأكثر، و(435)  منهن من غير العاملات. استخدمت لأغراض الدراسة أربعة مقاييس بهدف جمع المعلومات عن الأوضاع الصحية النفسية والجسمية لأفراد العينة من النساء العاملات وغير العاملات. كشفت النتائج عن فروق دالة بين النساء العاملات والنساء غير العاملات في الإصابة بقرحة المعدة ( عرض سيكوسوماتي ) ، وفرط ضغط الدم والسكري ، ومستوى الكولسترول ( أمرض مزمنة) إذ تبين أن نسبة النساء غير العاملات اللواتي بعانين هذه الأمراض تزيد بدرجة دالة على نسبة النساء العاملات. ولم تشر النتائج إلى فروق دالة بين النساء العاملات والنساء غير العاملات في الصحة النفسية، أو في التقديرات الذاتية للأوضاع الصحية. أيدت نتائج الدراسة الحالية ما توصلت إليه دراسات أخرى سابقة أجريت على النساء العاملات في ثقافات أخرى.

 
المقدمة:
شهد الأردن في العقود القليلة الماضية تغيرات واضحة في الأدوار الاجتماعية الخاصة بالمرأة٬ وذلك بسبب تزايد عدد النساء اللواتي نزلن إلى سوق العمل Labor Market٬ وبدأن يشاركن في ميدان الحياة المهنية خارج حدود البيت. ولم تعد الكثيرات من النساء يعتبرن الزواج بداية لنهاية حياتهن المهنية كما كان علية الأمر في السابق٬ على الأغلب. وهذا التغيير الذي حدث في أدوار المرأة فرض عليها- كما يرى لونج وكوكس (Long And Cox, 2000) – واقعاً جديداً ٬ إذ أصبحت مطالبة باتخاذ قرارات خاصة لتتمكن من التوفيق بين مطالب الأدوار المهنية التي تتعارض مع مطالب الأدوار المهنية التي تتعارض مع مطالب الأدوار الأسرية التقليدية التي تكلف المرأة عادة بها. ونظرا أن المجتمعات استمرت في اعتبار المرأة هي المسئول الأول عن أدوار الرعاية ي الأسرة٬ فقد ظلت المرأة مطالبة بتحمل مسؤولية العناية بالأولاد وانجاز المهام المتعلقة بالأعمال المنزلية٬ حتى في الحالات التي يكون فيها الآباء متعاونين٬ وهذا التعدد في الأدوار جعل عبء العمل الكلي Total Workload  الذي تتحمله المرأة العاملة يفوق كثيراً عبء العمل الذي يتحمله الرجل (Frankenhaeuser, 1991)٬ وزاد في حجم الأعباء الملقاة عليها وجعلها- كما يرى ويليامز و رفارفه (Williams Et Al, 1991) – أكثر عرضة للضغط Stress٬ وزاد من صعوبة حصولها على القسط الكافي من الراحة الجسمية والنفسية٬ وقلل من المتعة التي يمكن أن ترتبط بأداء المهام المتعلقة بالأدوار المتعددة التي تقوم بها٬ وزاد من احتمال تعرضها للكآبة .وأما من الناحية الفسيولوجية فقد بينت الدراسات أن مستوى الكاتيكولامينات Catecholamines٬ وهما: هرمونا الايبنيفرين٬ ونور- إيبيفرين Epeniphrine And Norepeniphrine اللذان يفرزهما نخاع الغدة الأدرينالية Adrenal Medulla ومستوى الكورتيزول٬ الذي تفرزه القشرة الأدرينالية Adrenal Cortex من أجل إعداد الجسم للتكيف مع مواقف الضغط٬ ويظل مرتفعا في دم المرأة لساعات طويلة حتى بعد أن تنتهي سعات العمل ٬ مما يؤدي إلى شعورها بالتعب والإجهاد ويعرضها إلى المخاطر الصحية  (Lundberg Frankenhaeuser, 1991) ٬ إن العلاقة بين زيادة أعباء العمل وسوء الأوضاع الصحية من الأمور المؤكدة: ففي اليابان وهي الدولة المعروفة بزيادة عدد ساعات العمل وندرة الإجازات٬ استخدمت كلمة كاروشي Karoshi٬ وتعني الموت بسبب العمل الزائد٬ ومع ذلك يعتبر هيرتزوغ وزملاؤه- Herzog, House  Morgan. 1991 مشار إلية في( وسام بريك وفوزي داود٬ 2008:395)  أن عدد ساعات العمل التي يؤديها الفرد في كل أسبوع لا ترتبط- ضرورة – بالصحة السيئة أو التعرض لمخاطر الصحة النفسية٬ ولكن إدراك الفرق للزيادة في عبء العمل هو الأكثر ارتباطا بحدوث الإمراض الجسمية والمعانة النفسية.
كما أن الأدوار التقليدية التي يقوم بها الزوجان تؤسس بشكل تام منذ المراحل العمرية المبكرة. فمنذ الطفولة تنشا الفتيات ويدربن لإدارة المهام التقليدية المتعلقة بالمرأة (Hochschild, 1989) فضلا عن ذلك٬ فإن مركز نشاط المرأة هو البيت٬ فالعناية بالمرضى٬ وإدارة الأمور العاطفية٬ والأمور المتعلقة بالسلوك الصحي٬ وتنظم الاتصالات الاجتماعية اختصت الثقافة بها أحد الجنسين دون الأخر٬ وأصبحت من الأمور المقتصرة على النساء٬ ومن الأدوار الجندرية( أدوار النوع الاجتماعي) التي تتقرر في ضوء المعايير الثقافيةclturally Genderesd  (West And Zimmerman) إضافة إلى أن عضوية المرأة في المجتمع تتأثر بقيامها بمهام الرعاية المرتبطة بالأدوار الاجتماعية المحددة ثقافيا٬ وكما يرى بركات(Barakat, 1993)٬ فإن الانحراف عن التوقعات الاجتماعية الثقافية المرتبطة بالأدوار المحددة ثقافيا يعرض المرأة إلى العقاب أو الرفض٬ وهذا بدوره يضر بأوضاعها الصحية وأسرتها وأولادها٬  وهو يتفق في ذلك مع أندرسون (Anderson, 1987)٬ الذي يرى أن صحة المرأة تتأثر بدرجة كبيرة بخبرات الدور٬ وبالإحداث التي تواجهها في حياتها. وتشير الدراسات التي أجريت على النساء في مصر وعلى المهاجرات من النساء الأردنيات في ولاية كاليفورنيا٬ أن هؤلاء النساء يتعرضن للكثير من الضغط الناجم عن تعذر الأدوار٬ ويتصاعد هذا الضغط عندما تحد المعايير الاجتماعية من توافر حلول ممكنة (Hatter, Pollara, Meleis And Nagib, 2000) وقد تتعرض المرأة العاملة الصراع الدور Role Conflict وهو ما يحدث عندما يتلقى الفرد معلومات متضاربة من الأشخاص المختلفين عن المهام التي يتوجب عليه القيام بها٬ أو عن المستويات التي يجب تحقيقها. إضافة إلى هذا النوع من الصراع٬ تواجه المرأة العاملة صراع الأدوار المهنية- الأسرية Work Family Conflict  وقد أشارت الدراسات التي أجراها فرننش وكابلان (French And Capalan, 1970) إلى وجود ارتباط بين صراع الدور٬ وغموض الدور٬ والإصابة بارتفاع ضغط الدم٬ والتسارع في ضربات القلب. وتشير الدراسات إلي ارتباط صراع الأدوار المهنية- الأسرية بإضرابات فسيولوجية تشمل حالات الاحتراق النفسي (Bacharach, Bamberg And Conley, 1991)  والمزاج السيئ (William And Alliger, 1999) وسوء الأوضاع الصحية والأسرية والمهنية( Kinnunen And Mauno, 1998) والشكوى الجسدية والنفسية (Frone, Russell And Cooper, 1992) وعلى الرغم مما قد تعرض له صحة المرأة العاملة من تأثيرات صحية ترتبط بعبء الدور وصراع الدور بسبب الجمع بين الأدوار الأسرية والمهنية٬ فقد خلصت دراسات عديدة إلى وجود آثار ايجابية للجمع بين الأدوار الأسرية والمهنية٬ فقد خلصت دراسات عديدة إلى وجود أثار ايجابية للجمع بين هاتين الفئتين من الأدوار على صحة المرأة العاملة (Barnett, Davidson And Marshal, 1991, Waldron, Weiss, And Hughes, 1998) فقد يحقق الجمع الفائدة من خلال تطوير مشاعر تقدير الذات والكفاءة الذاتية٬ والرضا عن الحياة(Gove And Zeiss, 1987. Kessler And Mcrae, 1982, Verburugg, 1983) وانخفاض معدلات التعرض لمخاطر الإصابة بالمرض الشريان التاجي (Weinder Et Al, 1997٬ وبينت الدراسة التي أجراها (Greenberg, 1980) وطبق فيها مجموعة من المقاييس النفسية على النساء العاملات وربات البيوت٬ أن العمل يحصن النساء العاملات٬ ولاسيما اللواتي يمارسن مهناً من مستوى معين٬ من التعرض للآثار السلبية الناجمة عن الضغط٬ نظرا لأنة يجعلهن أكثر قدرة على التعامل بكفاية مع الإحداث والضغوط مقارنة بمثيلاتهن من ربات البيوت٬ إن الحاجة إلى إجراء دراسات علمية حول ما يمكن أن يترتب على صحة المرأة العاملة من نتائج سلبية أو ايجابية نتيجة الأدوار التي تقوم بها٬ ظهرت في الولايات المتحدة منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي (Eichler And Parron, 1987) نظرا للزيادة الواضحة في أعداد النساء اللواتي نزلن إلى أسواق العمل٬ وما صاحب ذلك من تغير في الأدوار الاجتماعية المهنية والأسرية للمرأة الأمريكية٬ إضافة إلي أن هذه الفترة شهدت توجها قويا للاهتمام بصحة الجمهور والارتقاء بها وأصبحت القضايا المرتبطة بضغط الوقت وصراع الأدوار٬ وغيرها من مصادر الضغط التي تؤثر في صحة المرأة النفسية والجسمية٬ تشكل مسألة قومية مهمة (Reinfman,Biernat And Lang, 1991) وفي عام 1987 احتلت البحوث التي تركز على الآثار الصحية الناجمة عن تعدد الأدوار التي تقوم بها المرأة العاملة المرتبة الأولى في المؤسسة القومية بالصحة النفسية( The National Institute Of Menta Health أما في الأردن فمع تزايد أعداد النساء اللواتي نزلن إلى سوق العمل٬ ولاسيما النساء المتزوجات٬ واللواتي لديهم أطفال صغار دون سن المدرسة٬ فإن الحاجة تبدو ماسة إلي إجراء مثل هذه الدراسات٬ ولاسيما مع ندرة الدراسات التي تناولت النتائج التي تترتب على مشاركة المرأة في قوة القمل على صحتها النفسية والجسمية سواء في المجتمعات العربية أو في الأردن- في حدود علم الباحثين- وكما ورد في ضباغ (Sabbagh, 1997)٬ فقد ركزت الدراسات التي أجريت لبحث مشاركة المرأة في قوة العمل اهتماما على تأثير العوامل الثقافية الاجتماعية في عمل المرأة٬ ومن الأمثلة على هذه الدراسات التي أوردتها صباغ: abu jabber, 1978, Hammad, 1982, Hijab, 188, Kaml, Takriti, And Kawar, 1990 من هنا تظهر أهمية إجراء الدراسة الحالية وأمثالها لسد النقص في الأدبيات المتعلقة بموضوع عمل المرأة وتأثيراته على أوضاعها الصحية والنفسية والجسمية .
أهمية الدراسة:
لم تتطرق الدراسات التي تناولت موضوع المرأة العاملة في الأردن إلي الآثار الناجمة عن مشاركة المرأة في قوة العمل على صحتها النفسية والجسمية٬ والدراسة الوحيدة في هذا المجال٬ هي تلك الدراسة التي أجراها كل من حتر- بولار ودواني (Hattar- Pollara And Dawani, 2006)٬ تناولت عينة مكونة من 93 امرأة من النساء العاملات والنساء غير العاملات. وبذلك فإن إجراء هذه الدراسات يمكن أن يسهم في رفد المكتبة العربية بالمعلومات المتعلقة بالآثار التي يخلفها العمل على أوضاع المرأة الصحية. كما تنبع أهمية هذه الدراسة من الدور المهم الذي أصبحت تقوم به المرأة في ميدان الحياة المهنية: فتعرف الأوضاع الصحية للمرأة العاملة يمكن أن يشكل منطلقا لإعادة النظر في بعض المعايير الاجتماعية السائدة٬ وفي الأنظمة الخاصة في بيئة العمل; لتتوافق مع التغير الذي طرأ على الأدوار الجندرية (النوع الاجتماعي)٬ بما يكفل تخفيف معانة المرأة٬ وما يمكن أن ينشأ عن هذه المعانة- إن وجدت- من أثار سلبية على المستويات الشخصية: النفسية٬ والاجتماعية٬ والصحية٬ والأسرية٬ فالنتائج الايجابية التي تنشأ عن تخفيف الضغط المصاحب للتعدد والصراع بين الأدوار٬ تمتد لتطول المرأة والمجتمع غي جميع مؤسساته: الاجتماعية٬ والاقتصادية: العامة٬ والخاصة. كما أن تهيئة الظروف المهنية والاجتماعية التي تسهم في تحقيق التوازن والتكيف الصحي النفسي٬ والجسمي للمرأة العاملة تنعكس أثارها الايجابية على كل من: الأسرة٬ والمجتمع٬ والواقع الاقتصادي. من هذا المنطلق تأتي قيمة الدراسة الحالية في تعرف الأوضاع الصحية النفسية والجسمية للمرأة العاملة٬ في وقت تزايدت فيه التوجهات٬ على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي٬ التي تدعو إلى تركيز الجهود للعناية بشؤون الأسرة والمرأة والطفل.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة الحالية إلى فحص الآثار الناجمة عن تعدد الأدوار التي تؤديها المرأة(بسبب مشاركتها في قوة العمل إلى جانب المهام والأسرية والاجتماعية الأخرى) على صحتها النفسية والجسمية٬ والى تعرف مدى تعرض  المرأة العاملة للإضرابات السيكوسوماتية٬ والإمراض المزمنة مقارنة بمثيلاتها من غير العملات. كما تهدف إلى تعرف الفروق في التقييمات الذاتية التي تقدمها النساء العملات وغير العاملات حول أوضاعهن الصحية٬ والى فحص الآثار الناجمة عن تفاعل وضع المرأة المهني(تعمل/ لا تعمل) مع عدد الأولاد على أوضاعها الصحية النفسية٬ والجسمية. ولتحقيق هذه الأهداف تسعى الدراسة الحالية إلى الإجابة عن السؤال الأتي: " هل هناك فروق في الأوضاع الصحية النفسية والجسمية وفي التعرض للإضرابات السيكوسوماتية وفي التقويم الذاتي للأوضاع الصحية تعزى إلى مشاركة المرأة فيسوق العمل والي التفاعل بين متغيري الوضع المهني للمرأة وعدد الأولاد؟"
وللإجابة عن هذا السؤال تم اختبار الفروض الآتية:
1- لا توجد فروق دالة إحصائيا بين النساء العملات والنساء غير العاملات في الأوضاع الصحية النفسية وفي التعرض للإضرابات السيكوسوماتية.
2- لا توجد فروق دالة إحصائيا بين النساء العاملات والنساء غير العاملات في التعرض للأمراض المزمنة وفي التقييم الذاتي لأوضاعهن الصحية.
3- لا توجد فروق دالة إحصائيا بين النساء العاملات والنساء غير العاملات في الأوضاع الصحية النفسية وفي التعرض للإضرابات السكوسوماتية. ناجمة عن تفاعل متغيري الوضع المهني للمرأة(تعمل/لا تعمل) وعدد الأولاد.
4- لا توجد فروق دالة إحصائيا بين النساء العاملات والنساء غير العاملات في التقييم الذاتي للأوضاع الصحية ناجمة عن تفاعل متغيري الوضع المهني للمرأة(تعمل/ لا تعمل) وعدد الأولاد.
مصطلحات الدراسة
المرأة العاملة Working Woman: المرأة التي تقوم بأداء عمل بأجر في أي من قطاعات المجتمع الاقتصادية العامة أو الخاصة خارج نطاق البيئة المنزلية.
الدور role: السلوك الذي يقوم به الفرد نتيجة احتلاله مركزاً أو موقعاً معيناً وفي حالة المرأة العاملة فإن الأدوار الآتية تعد الأكثر أهمية: الزوجة٬ الأم٬ والوظيفة/ العمل بأجر.
صراع الأدوار Role Conflict: لأغراض هذه الدراسة سيتم تبني تعريف بلاج ورفاقه Plug, Meyer, Louw And Gouws, 1988  مشار إلية في (Redelinghuys, Lucius, Botes And Dewet, 1999)  
للمفهوم وهو: "ما ينشأ عن قيام الفرد بأداء دورين أو أكثر بالتزامن٬ أو بأداء أدوار عدة تتطلب سلوكيات متعارضة٬ بحيث إن تلبية مطالب أحد الأدوار تعوق تلبية مطالب الأدوار الأخرى".
الضغط stress: خبرة انفعالية سلبية٬ يصاحب ظهورها حدوث تغييرات بيوكيميائية٬ وفسيولوجية٬ ومعرفية٬ وسلوكية يمكن التنبؤ بها٬ ويمكن أن توجه: إما إلى تغيير الحدث المسبب للضغط٬أو إلى التكيف مع أثاره( انظر (Baum, 1990  الأمراض المزمنة Chronic Diseases: الأمراض التي تستمر لفترة طويلة٬ ولا تتوقف٬ ولا يمكن الشفاء منها في العادة٬ مثل: فرط ضغط الدم٬ السكري٬
الاضطرابات السيكوسوماتية Psychosomatic Disorders: أمراض جسمية يعتقد أنها تنشأ عن صراعات عاطفية٬ وعن التعرض للضغط النفسي٬ مثل: بعض أمراض الجهاز الهضمي: كقرحة المعدة٬ والقولون العصبي٬ والربو; فهي أمراض جسمية ترجع أصولها إلى أسباب نفسية (انظر: وسام بريك وفوزي داود٬ 2008: 42-43).
حدود الدراسة:
تقتصر نتائج الدراسة الحالية على النساء العملات في منطقة محافظة العاصمة عمان٬ من الفئات العمرية الواقعة بين20-60 عاماً. واقتصرت العينة على النساء اللواتي تيسر الاتصال بهن في مختلف القطاعات المهنية في محافظة العاصمة٬ ومن مستويات تعليمية وثقافية واقتصادية متنوعة.
أدبيات الموضوع
بالنظر إلى ندرة الدراسات التي أجريت في المجتمعات العربية لدراسة الأثر الناجم عن مشاركة المرأة في قوة العمل على أوضاعها الصحية النفسية والجسمية٬ فإن استعراض بعض ما ورد من نتائج الدراسات التي أجريت في ثقافات غربية قد يسهم إلقاء بعض الضوء على طبيعة المشكلة٬ مع إدراكنا- بالطبع- للاختلافات الثقافية والحضارية بين مجتمعاتنا العربية والمجتمعات الغربية٬ ولاسيما فيما يتعلق بمسألة الأدوار ومحدداتها٬ إذ من المتفق علية بين العلماء إن المعايير الاجتماعية الثقافية تشكل أهم المحددات التي في ضوئها تقسم الأدوار في المجتمع٬ وما يرتبط بها من سلوك وتوقعات وأعباء. وفيما يلي عينة من الدراسات التي تناولت تأثير العمل في الصحة النفسية٬ والصحة الجسمية٬ والكيفية التي يتفاعل بها وجود الأولاد في الأسرة مع عمل المرأة على أوضاعها الصحية النفسية٬ والجسمية.
الصحة النفسية: Mental Health
اختلفت نتائج الدراسات في تقديرها للأثر الذي يحدثه العمل في الصحة النفسية لدى النساء٬ إذ توصل بعضها إلى عدم ارتباط العمل بمشكلات الصحة بين النساء Barnett, And Baruch, 1985, Baruch And Barnett, 1986; Repetti, Mathews, And Waldron, 1989, Ross, Mirowski And Huber, 1993) ) في حين توصل بعضها الأخر إلى ارتباطه بالصحة الايجابية  Positive Mental Health٬ بما في ذلك: قلة التعرض للكآبة (Aneshensel, 1986, Glass And Fujimoto, 1994; Kandel, Davies And Raveis, 1985; Kessler,And Mcrae, 1982, Voydanoff And Donnelly, 1988; Wethington And Kessler, 1989) وتدني مستوى القلق (Kessler And Mcrae, 1982; Voydaoff And Donnelly, 1988)٬ وزيادة تقدير الذات (Kessler And Mcrae, 1982) كما بين موستاو ونيوبيرغ  (Mostow, And Newberg, 1975) أن للعمل تأثيرات ايجابية على  النساء اللواتي ينتمين إلي مستويات اقتصادية متدنية. ووجد برومبرج وماثيوس (Bromberg And Matthews, 1994) أن للعمل بأجر أثار ايجابية على النساء في مرحلة أواسط العمر٬ وأيدت النتيجة التي أجراها حتر- بولار ودواني (Hattar- Pollara And Dawani, 2006) ٬ على عينة من النساء الأردنيات  تمتع النساء العاملات بصحة نفسية أكثر من غير العاملات. كما توصلت سيلي ورفاقها (Cili, Kaya, Bodur Ozkan And Kucur, 2004) الى حصول ربات البيوت من غير العاملات على درجات أعلى في مقاييس القلق٬ والفوبيا٬ والبارانويا٬ والأعراض الذهنية٬ والأعراض النفسية الجسمية٬ كما بينت أن غير العملات يشكون من نمط الحياة التي يسير على وتيرة واحدة٬ ومن محدودية البيئة الاجتماعية التي يتعرضن لها٬ ومن عدم وجود من يقوم بتقدير ما يقمن به من أعمل باستثناء الزوج٬ وبينت دراسات أخرى(Bromberg and matthews, 1994, crepet, piazzi, vetrone and Costa, 1993) أن ربات البيوت أكثر عرضة للضغط وأعراض الكآبة, كما وجد لينون (lennon, 1992)- مشار إلية في (dohrenwend, 1998) الذي قام بفحص العلاقة بين العمل المنزلي وأعراض الكآبة لدي النساء العاملات وربات البيوت- فروقاً في مقدار الوقت الذي تخصصه هؤلاء النساء لانجاز العمل المنزلي٬ إذ تبين أن معدل ما تقضية النساء العاملات في انجاز الأعمال المنزلية بلغ 25 ساعة في الأسبوع٬ في حين وجد أن معدل ما تقضية ربات البيوت يعادل 38.5 ساعة في الأسبوع٬ وعندما أضيفت ساعات العمل التي تقوم بها النساء العاملات خارج المنزل إلي عدد ساعات العمل الذب ينجز داخل المنزل٬ بلغ عدد ساعات العمل الكلي الذي تنجزه المرأة العاملة 64.7 ساعة في الأسبوع٬ وعلى الرغم من هذه الفروق في عدد ساعات العمل بين المجموعتين من النساء لم تشر نتائج دراسة لينون إلى أي فروق في أعراض الكآبة بين الفريقين من النساء٬ وعندما وضعت الفروق في عدد ساعات العمل وفي ظروف العمل في الاعتبار تبين أن معدل تعرض النساء العاملات لأعراض الكآبة كان أقل من معدل تعرض ربات البيوت لها. تقود النتيجة السابقة إلى اقتراح أن العمل قد يساعد في تحقيق التوازن ويخفف من تأثير المظاهر السلبية التي ترتبط بالعمل المنزلي٬ مما يسبب في تحسين الصحة النفسية للمرأة العاملة. ومن الدراسات القليلة التي توصلت إلي وجد نتائج سلبية للعمل على الأوضاع النفسية للمرأة العاملة الدراسة التي أجرا دافيدسون وكوبر (Davidson, and cooper, 1980) إذ وجدا أن نصف أفراد عينة دراستهما من النساء اللواتي يشغلن مناصب إدارية عليا بعانين إضرابات نفسية مزمنة٬ مثل: التوتر٬ القلق٬ والكآبة٬ وتدني مستوى تقدير الذات٬ وصعوبات النوم٬ والإحباط٬ وعدم الرضا عن حياتهن أو العمل. كما وجد أن 71% من النساء العاملات يعزون ما يواجهن من مشكلات جسمية٬ ونفسية إلى تعرضهن إلى مستويات مرتفعة من ضغط العمل. وقد اتفقت النتائج المتعلقة بموضوع الضغط مع ما توصل إليه فرنش وكبلان (frensh and caplan, 1970) وكاهن ورفاقه (kahn, et al, 1964)٬ وكاي(kay, 1974)٬ وفي هذا الصدد يقترح كاهن ورفاقه(Kahn, et al, 1964) أن الضغط قد ينشأ عن الانسحاب من العلاقات الأسرية أو علاقات العمل. وتوصل هاينزوفاينلايب (Haynes and feinleib, 1980) إلي أن النساء العاملات يتعرضن للخلافات مع أزواجهن أكثر من ربات البيوت٬ مما قد يترك أثراً سلبياً على أوضاعهن الصحية النفسية. يتضح من نتائج الدراسات التي سبق الإشارة إليها أنها غالباً ما توصلت إلي تأكيد الآثار الايجابية للعمل على صحة المرأة النفسية. في حين أن الدراسات التي توصلت إلي نتائج سلبية للعمل على صحة المرأة العاملة كانت قليلة. كما أن النتائج السلبية التي أسفرت عنها دراسة دافيدسون ورفاقه لم تكن ناتجة بالضرورة عن العمل بحد ذاته وإنما بسبب الضغط الزائد المرتبط بالعمل الإداري.
 الصحة الجسمية: Physical Health
افترضت بعض الدراسات التي اهتمت ببحث تأثير الأدوات المتعددة في صحة المرأة العاملة- مثال: Sears And Galambos, 1993 مشار إليها في (Frankel, 1993)- أن العمل بأجر يشكل مصدراً جديداً للضغط في حياة المرأة العاملة٬ ومن ثم يقود إلى نتائج سلبية على وضعها الصحي. في حين خلصت دراسات أخري إلى أن قيام المرأة بأدوار متعددة له نتائج مفيدة على صحتها الجسمية (Green And Russo, 1993)٬ وقد أيدت الدراسة التي أجراها حتر- بولار ودواني (Hattar- Pollara And Dawani, 2006) الدراسات السابقة المشار إليها.إذ بينت أن غير العملات من النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي ومرض السكري. وفيما يلي عرض لبعض الدراسات التي تناولت تأثير تعدد الأدوار في الوضع الصحي الجسمي للمرأة العاملة:  وجد دافيدسون وكوبر (Davidson, And Cooper) في دراسة مسحية أجرياها على النساء في المملكة المتحدة أن النساء اللواتي يشغلن مراكز إدارية عليا يتعرضن لدرجات اكبر من الضغط المهني٬ مما يعزز من إمكانية تعرضهن للأعراض التي تميز النمط المعروف بنمط السلوك A (Type A Behavior Pattern) ويزيد من إصابتهن بالأمراض القلبية الوعائية Cardiovascular Heart Disease وعزز هذه النتيجة ما توصل إليه كل من تشيسني وروزينمان Chesney And Rosenman, 1980 مشار إليه في كبروبيني (Cooper Payne, 1991)٬ حيث وجدا زيادة أكبر في انتشار نمط السلوك A بين النساء العاملات مقارنة بمثيلاتهن من النساء غير العاملات. كما أشارت نتائج دارسة دافيدسون وكوبر (Davidson, And Cooper) إلي تعرض النساء اللواتي يشغلن المناصب العليا لقرحة المعدة٬ وفرط ضغط الدم أكثر من مثيلاتهن من العاملات اللواتي لا يشغلن مناصب إدارية كما تبن أن الصداع النصفي migraine والصداع٬ وفرط ضغط الدم٬ هي من الأمراض الرئيسة الناجمة عن الضيق distress الناجم عن الضغط. كما توصل هاينز وفاينلايب (Haynes and Feinleib, 1980) إلي أن النساء اللواتي يؤدين مهناً كتابية clerical occupations يتعرضن إلي الأمراض القلبية الوعائية أكثر من ربات البيوت المتزوجات٬ ووجد جاكسون (Jacobson) لدى النساء اللواتي يقمن بوظائف إدارية ميلا أكبر إلي التدخين٬ من زملائهن من الذكور٬ ومن النساء اللواتي يؤدين وظائف غير إدارية .وكما هو معلوم٬ يرتبط التدخين بالإصابة بسرطانات الرئة٬ والمثانة٬ والفم٬ والحلق٬ والبلعوم٬ إضافة إلى الأمراض القلبية والوعائية المختلفة. وفي المقابل لم يجد هاينز وفاينلايب (Haynes and feinleib, 1980) انتشارا أكبر للأمراض القلبية الوعائية بين النساء العاملات مقارنة بربات البيوت٬ مع انه تبن أن النساء العاملات كن أكثر تعرضاً للضغط من ربات البيوت. وفي محاولة لمواجهة الفرض الذي يقول إن عمل المرأة يسبب زيادة في عبء الدور Role Overload٬ وصراع الدور والضيق الناجم عن الضغط٬ قام بارنيت ودافيدسون ومارشال (Barnett, Davidson And Marshal) ٬ بفحص التداخل بين عمل المرأة والأدوار الأسرية٬ وتأثير العمل على أدائها للأدوار الأسرية٬ فتبين أن تقديم المساعدة للآخرين الذي يتيحه انخراط المرأة في الميدان المهني يحصن المرأة من الآثار السلبية الناجمة عن الاهتمام بزيادة أعباء الدور; مما يؤدي إلى تقليل المشكلات الصحية (مثال التعب٬ والصداع٬ وآلام المعدة والظهر)٬ كما أن الرضا المرتبط بالدخل الذي يوفره العمل يحصن المرأة أيضا من الآثار السلبية الصحية الناجمة عن أعباء الوظيفة. ولم تبين الدراسة أن عبء العمل الزائد Work Overload يسبب الصراع مع الأدوار الأسرية أو يزيد من المخاطر الصحية الجسمية. وجميع هذه النتائج تؤكد ما توصلت إليه هيرنستام وبيجروت (Harenstam And Bejerot, 2001) من أن المسؤوليات الإضافية التي تفرض على المرأة يجب ألا تكون شاقة أو مجهدة حتى تكون لها اثأر ايجابية على وضعها الصحي. يتضح من استعراض الدراسات السابقة أن مشاركة المرأة في سوق العمل لا تؤثر بالضرورة سلبا على أوضاعها الصحية الجسمية٬ ولكن نوعية العمل هي الأكثر أهمية في تقرير ما يمكن أن يترتب من نتائج ايجابية أو سلبية على صحة المرأة العاملة.

تأثير وجود أولاد لدى المرأة العاملة على أوضاعها الصحية:
تشير بعض وجهات النظر إلى أن الآثار التي يمكن أن تنشا عن الجمع بالأدوار العمل باجر والأدوار الأسرية تعتمد على خصائص الفرد٬ والأسرة وطبيعة العمل وفي هذا الصدد وجد بارنيت ومارشال وسينجر (Barnett, Marshal And Singer 1992) في دراسة طويلة٬ أن التدني في خصائص الوظيفة قد ارتبط بالمعانة النفسية بالنسبة للنساء اللواتي ليس لديهن أولاد٬ في حين لم ترتبط الاختلافات في نوعية العمل بالمعاناة النفسية عند النساء اللواتي لديهن أولاد. وتقود هذه النتائج إلى الاقتراح بان النساء اللواتي يواجهن مشكلات في الوظائف التي يؤدينها٬ أكثر ميلا لان يشعرن بالإحباط والقلق إذا لم يكن لديهن أولاد٬ كما وجد بارنيت ورفاقه (Barnett, Davidson And Marshal) أن الأدوار الأسرية والعمل باجر٬ يحميان المرأة من المعانة السيكولوجية المرتبطة بادوار أخري.
إجراءات الدراسة:
أولا- العينة:
يتكون مجتمع الدراسة من جميع النساء العاملات في مختلف القطاعات المهنية في مدينة عمان ممن تزيد أعمارهن على 20 عاماً٬ واللاتي مضى على مشاركتهن في الميدان المهني ثلاث سنوات وأكثر٬ ولتحقيق أغراض هذه الدراسة اختيرت عينة متاحة٬ روعي فيها- ما أمكن – التمثيل لمختلف القطاعات المهنية التي تعمل فيها المرأة: لذلك جري تحديد القطاعات المهنية الآتية:
1-  البنوك٬ والمدارس٬ وكليات المجتمع٬ والجامعات.
2-  الدوائر الحكومية٬ والعسكرية.
3-  المستشفيات والمراكز الصحية.
4- مهن أخري متنوعة٬ ولاسيما (شركات٬ وفنادق٬ ومطاعم٬ ومؤسسات تجارية). ووفق المجالات المذكورة اختيرت بطريقة قصديه مجموعة من المؤسسات التي تمثل القطاعات المشار إليها. وروعي في الاختيار تنوع مواقع المؤسسات بحيث تشمل – ما أمكن – مختلف مناطق محافظة العاصمة: الغربية٬ والشرقية٬ والجنوبية٬ والشمالية. ولأغراض جمع المعلومات قام فريق من الباحثين بتوزيع (700) استبانه على النساء العاملات ممن تنطبق عليهن الشروط.
ولإغراض المقارنة تم تدريب فريق من طلبة السنتين الثالثة والرابعة المسجلين في مساق علم النفس٬ وعلم النفس الاجتماعي في الجامعتين: الأردنية٬ وعمان الأهلية٬ وروعي في اختيار الطلبة تغطية مدى واسع من مناطق محافظة العاصمة٬ إذ طلب من فريق ن الباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع٬ والمتدربين من طلبة التمريض في المراكز الصحية توزيع الاستبانه على النساء العاملات والنساء غير العاملات اللواتي يراجعن هذه المراكز ليقمن بتعبئتها. وفي مرحلة لاحقة٬ وبعد أن جمعت أدوات الدراسة٬ روجعت من أجل تنقيحها٬ واستبعدت منها الاستبيانات التي لم تعبأ بالشكل السليم٬ أو كانت غير مكتملة. وأظهرت نتيجة المراجعة صلاحية(565) استبانه معبأة من النساء العاملات و(435) استبانه معبأة من غير العاملات والجدول(1) يبين توزيع أفراد العينة من النساء العاملات على الميادين المهنية المختلفة. كما يبين الجدول(2) توزع النساء وفق متغيري الوضع المهني والعمر.

إرسال تعليق

0 تعليقات